نشأة الفلسفة
مدخل:
لقد ظهرت الفلسفة لأول مرة في بلاد اليونان القديمة، حوالي القرن 6 قبل الميلاد مع الفلاسفة الذين ينعتون بالفلاسفة الطبيعيين، أمثال : طاليس – أنكسمنس – أنكسمندر...
و قد سموا بذلك الاسم لأن تفكيرهم انصب حول البحث في الطبيعة وأصل الكون. و قد ظهرت كلمة <فيلوسوفوس> « philosophos » لأول مرة مع فيتاغورس الذي يعتبر أول من سمى نفسه فيلسوفا، أي محبا للحكمة و باحثا عن المعرفة. وقد ظهر مصطلح فيلوسوفوس كمقابل لمصطلح <سوفوس> « sophos » ؛ ففيلوسوفوس « philosophos » هو الفيلسوف الذي يحب الحكمة و يبحث عن الحقيقة أما سوفوس فهو الحكيم الذي يدعي امتلاك المعرفة.
هكذا فالفلسفة في أصلها الاشتقاقي في اللغة اليونانية تعني محبة الحكمة والبحث عن الحقيقة بشكل مستمر دون ادعاء امتلاكها.
و قد ظهرت الفلسفة في الحضارة اليونانية كتفكير عقلاني مقابل التفكير الأسطوري الخيالي الذي كان عند اليونانيين قبل ظهور الفلسفة.
1- فما الذي يميز التفكير الفلسفي عن التفكير الأسطوري؟
2- و كيف كانت البداية الأولى لفعل التفلسف؟
3- و ما هي العوامل التي ساعدت على ظهور الفلسفة في الحضارة اليونانية؟
I – الفلسفة و الأسطورة:
نص لجون بيير فرنان jean pierre Vernant :
مؤلف النص:
هو جون بيير فرنان Vernant مؤرخ فرنسي معاصر ، اهتم بالفكر الفلسفي اليوناني و بأصوله. من أهم مؤلفاته <أصول الفلسفة الإغريقية> و <الأسطورة و الفكر عند الإغريق>.
الإجابة عن أسئلة الفهم:
يشير النص إلى مجموعة من التقابلات بين الفلسفة و الأسطورة، ويمكن توضيح ذلك من خلال الجدول التالي:
الفلسفة
الأسطورة
- اللوغس logos
- ثقافة مكتوبة (ظهر الحروف الأبجدية)
- الدقة في التعبير
- استخدام المفاهيم
- لغة مجردة
- فكر برهاني و استدلالي
- الأفكار العقلية المجردة و الخالصة. فكر نقدي
- الميثوس mythos
- ثقافة شفوية
- السرد الخيالي
- المحاجة البلاغية
(الأساليب لغوية كالمجاز و التشبيه)
- الآلهة و الأبطال الخياليون و الخرافيون.
- فكر بلاغي و خيالي.
2- لقد ظهرت الفلسفة عند اليونان كنتيجة لتوفر مجموعة من الشروط أو العوامل من أهمها : العامل السياسي الذي تمثل أساسا في انتقال الحكم من النظام الديكتاتوري إلى النظام الديمقراطي، الذي تميز بحرية التعبير و طرح كل القضايا للنقاش العلني.
3- يستعمل اللوغوس logos (البرهان القائم على الحجة) و تدل هذه العبارة على أن الفلسفة خطاب يستند إلى الحجة العقلية.
استنتاج:
لقد كان ظهور الفلسفة في بلاد اليونان إعلانا عن إحداث قطيعة في التفكير لدى الإغريق، حيث تم الإنتقال من الخطاب الشفوي الأسطوري إلى الخطاب الفلسفي المكتوب الذي يعتمد على الإستدلال العقلي و إنتاج الأفكار و المفاهيم العقلية المجردة. و قد كان للعامل السياسي دور كبير في بزوغ هذا الفكر الجديد حيث ظهرت الفلسفة في مناخ ديمقراطي عرفته المدينة الدولة، حيث سادت حرية التعبير و أصبحت كل القضايا مطروحة للنقاش الحر و العلني.
الإجابة عن أسئلة الإطار المفاهيم:
1- شرح فلسفي للمصطلحات التالية :
ميثوس mythos = كلمة يونانية تعني الأسطورة.
اللوغس logos = كلمة يونانية تعني الخطاب، المبدأ و العقل.
خطاب : هو جملة من المنطوفات أو الملفوظات المتسلسلة و المترابطة ترابطا عضويا، و التي تحيل على موضوع محدد، و ترتبط بحقل ثقافي معين.
برهان: هو استنتاج يقيني ، أي انتقال من مقدمات يقينية بذاتها إلى نتائج يقينية وفقا لقواعد المنطق و مبادئه.
2- لقد ارتبطت الفلسفة بالكتابة ذلك أن اللغة الفلسفية هي عبارة عن نصوص مكتوبة، فالعلاقة بينهما هي علاقة تكامل؛ إذ أن خصائص النص المكتوب من دقة و إيجاز هي نفسها خصائص اللغة الفلسفية. كما أنها علاقة تضمن؛ إذ كل واحد منهما يشتمل على الآخر و يحتويه.
3- ميثوس و لوغوس ← علاقة تضاد.
- شفوي و مكتوب ← علاقة تعارض.
- الأسطورة و السرد ← علاقة تضمن.
- اللوغوس و الكرهات ← علاقة تضمن.
- الإغراء و الجدية ← علاقة تنافر.
استنتاج :
لقد ظهرت الفلسفة كتفكير جديد في مواجهة الفكر الأسطوري. فإذا كان التفكير الأسطوري تفكيرا شفويا يعتمد على الإغراء و السرد الحكائي الخيالي، فإن التفكير الفلسفي على العكس من ذلك هو خطاب مكتوب يعتمد على الدقة في التعبير و استخدام الأساليب الحجاجية البرهانية .هكذا فالعلاقة بينهما هي علاقة تضاد و تعارض و تنافر.
ІІ- بداية فعل التفلسف:
نص لفريدريك نيتشه : (ص 15 ):
مؤلف النص :
هو الفيلسوف الألماني فريدريك F. Nietzsche (1900 – 1844 ) يعتبر من رواد الفكر الفلسفي المعاصر من أهم مؤلفاته (العلم المرح – أفول الأصنام – هكذا تكلم زرادشت).
- الشرح الإجمالي للنص:
يتناول نيتشه في هذا النص تأمل عبارة طاليس (الماء أصل كل الأشياء)، و يعتبرها فكرة غريبة و مع ذلك يجب التوقف عندها و أخذها مأخذ الجد، و ذلك لثلاثة أسباب رئيسية : الأول : أنها تتناول أصل الأشياء، و الثاني أنها تبتعد عن السرد الخيالي الأسطوري،و الثالث : أنها تتضمن فكرة الكل واحد. و يرى نيتشه أنه بحسب السبب الأول لازال طاليس معدودا على الكتاب الخرافيين، و بحسب السبب الثاني فإن طاليس ينتمي إلى طائفة علماء الطبيعة، أما حسب السبب الثالث فيصبح طاليس أول فيلسوف يوناني .
و قد بين نيتشه أن التجارب العلمية و لو البسيطة التي كان بإمكان طاليس القيام بها، لم تكن تسمح بالوصول إلى هذه النتيجة المتمثلة في القول بأن الكل واحد. إنها إذا صادرة عن حدس فلسفي، و هي التي جعلت طاليس بحق أول فيلسوف يوناني.
الإجابة عن أسئلة الفهم:
الفكرة الغريبة التي يتحدث عنها النص هي : الماء أصل كل الأشياء. و هناك ثلاثة أسباب جعلت صاحب النص يفسر هذه الفكرة:
السبب الأول : أنها تتناول أصل الأشياء.
السبب الثاني : أنها تبتعد عن السرد الخيالي.
السبب الثالث : أنها تتضمن فكرة الكل واحد.
لقد اعتبر نيتشه طاليس أول فيلسوف لأنه أرجع الكل إلى الواحد عن طريق نوع من الحدس الفلسفي، ولأن التفسيرات العلمية الاختبارية لم يكن بإمكانها إثبات ذلك.
تدل عبارة الكل واحد على رغبة الفيلسوف في إرجاع الكثرة الموجودة في الكون إلى عنصر طبيعي واحد هو الماء – الهواء – النار – التربة...
الإجابة عن أسئلة الإطار المفاهيمي :
الأصل ← مصدر تكون الأشياء
الماء ← عنصر فيزيائي طبيعي.
المسلمة ← الفرضية التي ينبني عليها الاستدلال.
التحولات الفيزيائية ← الصفات التي يتخذها عنصر طبيعي في انتقاله من حالة إلى أخرى.
المبدأ ← الأسباب الذي تقوم عليه فكرة ما.
العلاقة بين الماء كعنصر طبيعي و الماء كمبدأ هي علاقة انتقال من الحسي إلى المجرد.
خلاصة عامة للمحور الأول:
لقد كانت البدايات الأولى للتفكير الفلسفي عند اليونان في القرن 6 ق م، مع من كان يطلق عليهم اسم الحكماء الطبيعيين أمثال طاليس و هيرقليطس. و قد ساهمت عدة عوامل في ظهور الفلسفة : منها استفادتهم من ثقافات و علوم الحضارات الشرقية القديمة كالفرعونية و البابلية. كما ارتبط ظهور الفلسفة بظهور نظام الدولة المدينة كنظام سياسي ديمقراطي عرف جدلا و حوارا و حرية في التعبير، و استخدام الأساليب الحجاجية البرهانية، أما الأسطورة فهي تفكير شفوي يعتمد على الإغراء و السرد الحكائي.
و قد تجلت بداية الفلسفة في البحث عن مبدأ و أصل الكون. و يعني المبدأ إرجاع ظواهر الكون إلى عنصر منظم و مفسر هو الواحد.